Translate

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

التفسير الموضوعي لسورة غافر


مقدمة بين يدي الحواميم .

القرآن كلام الله العزيز الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم جل جلاله  .افتتحه بالسبع الطوال "من البقرة إلى التوبة"، ثم المئين "كل سورة عدد آيها مائة أو تزيد شيئًا أو تنقص شيئًا ".
ثم المثاني وهي كل سورة دون  المئين، ثم المفصّل وهو ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار. فطواله من «أول ق» إلـى سورة «النبأ». وأوساطه من ها إلـى سورة «الضحى». وقصاره منها إلـى آخر القرآن.
وقد حزّب الصحابةومن تبعهم القرآن وفصّلوه وزاوجوا بين متشابهه ففيه ؛المسبحات "متفرقات أولها الأسراء وآخرها الأعلى" ،وذوات الراء "من يونس إلى الحجر"،و الطواسين "وهي ثلاث النمل ثم الشعراء ثم القصص" ،وذوات آلم"وهي البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة"  ،"وذوات آلر" وهي يونس وهود ويوسف ووغبراهيم والحجر "،والحواميم وهي سبع سور-سيأتي تفصيلها -.

الحواميم سبع سور من القرآن الكريم هي :"غافر- فصلت – الشورى – الزخرف- الدخان – الجاثية – الأحقاف ".

ولا يخفى ما بينها من التشاكل ؛ وهو أن كل سورة منها ابتدأت بـ (حم) ثم استفتحت بالكتاب أو وصفه مع تفاوت المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام .([1])

مميزات الحواميم :

1-     أنها تتكون من سبع سور متتالية في ترتيبها في المصحف الشريف هي: (غافر ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف) .

2-     نزلت هذه السور متتالية ومتتابعة أيضاً فقد نزلت أولاً سورة غافر ثم فصلت وهكذا تمام السبع .

3-      قد نزلت جميع هذه السور بمكة ؛ فعن ابن عباس قال: (نزلت الحواميم جميعاً بمكة).

4-      جميعها تبدأ بـ (حم) باستثناء (الشورى) فآيتها الأولى (حم) وآيتها الثانية (عسق) .فالحروف المقطعة فيها زائدة عن غيرها .

5-   فيها شبه من ترتيب ذوات ‏{‏الر‏}‏ الست فانظر ثانية الحواميم وهي فصلت كيف شابهت ثانية ذوات ‏{‏الر‏}‏ هود في تغيير الأسلوب في وصف الكتاب وأن في هود‏:‏ ‏{‏كتاب أُحكِمَت آياته ثُم فُصلت‏}‏ وفي فصلت‏:‏ ‏{‏كتاب فصلت آياتهُ‏}‏ وفي سائر ذوات ‏{‏الر‏}‏ ‏{‏تلك آيات الكتاب‏}‏ وفي سائر الحواميم‏:‏ ‏{‏تنزيلُ الكتاب‏}‏ أو ‏{‏والكتاب‏}‏ قلت‏:‏ وانظر إلى مناسبة ترتيبها فإن مطلع غافر مناسب لمطلع الزمر ومطلع فصلت التي هي ثانية الحواميم مناسب لمطلع هود التي هي ثانية ذوات ‏{‏الر‏}‏ ومطلع الرخرف مؤاخ لمطلع الدخان وكذا مطلع الجاثية لمطلع الأحقاف سورة القتال لا يخفى وجه ارتباط أولها بقوله في آخر الأحقاف‏:‏ ‏{‏فهَل يهلك إِلا القوم الفاسقون‏}‏ واتصاله وتلاحمه بحيث أنه لو أسقطت البسملة منه لكان متصلاً اتصالاً واحداً لا تنافر فيه كالآية الواحدة آخذاً بعضه بعنق بعض سورة الفتح لا يخفى وجه حسن وضعها هنا لأن الفتح بمعنى النصر مرتب على القتال وقد ورد في الحديث‏:‏ أنها مبينة لما يفعل به وبالمؤمنين بعد إبهامه في قوله تعالى في الأحقاف‏:‏ ‏{‏وما أَدري ما يفعل بي ولا بكم‏}‏ فكانت متصلة بسورة الأحقاف من هذه الجملة([2]).

6-                 من حيث الموضوعات([3]):

ü                   افتتحت بذكر الكتاب وفضله : سورة غافر(تَنْزيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزيزِ الْعَليمِ)آية 2، سورة فصّلت:( تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)آية 2 ، سورة الشورى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آية 3، سورة الزخرف: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الدخان: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الجاثية: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2، سورة الأحقاف: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2.

üأغلبها ذكرت موسى عليه السلام ودعوته والتوراة التي نزلت عليه : سورة غافر:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * ِإلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) سورة فصّلت:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) آية 45 ، سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الزخرف: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية 46، سورة الدخان: (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) آية17- 18، ، سورة الأحقاف: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12.

ü                   غالبها ركّزت على الوحدة وحذّرت من خطورة الفرقة. سورة فصّلت:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) آية 45 ، سورة الشورى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية 10، سورة الزخرف: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63، سورة الجاثية: (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) آية 17.

ü                    كلها تحدثت عن انتقال الرسالة من بني اسرائيل إلى أمة محمد r:سورة غافر(ولقد آتينا موسى الهدى واورثنا بني إسرائيل الكتاب ..)آية 53 . سورة الشورى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الجاثية (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) آية 18، سورة الأحقاف (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12.

ü                   غالبها ركّزت على أهمية الصفح والإمهال: سورة غافر(غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ...)آية 3. (فاصبر إن وعد الله حق ...)آية 55 .سورة الشورى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) آية 23، سورة الزخرف: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) آية 89، سورة الدخان: (فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ) آية 59، سورة الجاثية: (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ) آية 14، سورة الأحقاف: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) آية 35.

v              الهدف الرئيسي الذي يجمع هذه السور الستة هو: أنتم يا أمة محمد مسؤولون عن الرسالة مسؤولية نهائية ولكن هناك واجبات ومحاذير، وهذا الهدف مختلف عن هدف سورة البقرة لأن في سورة البقرة كان الهدف عرض المنهج فقط بدون أية توصيات مفصّلة. أما في الحواميم فكل سورة من السورة تأتي لتعرض جانباً من التوصيات للمنهج وهي كلها عبارة عن تحذيرات وواجبات يجب أن يراعيها من سيتولى المسؤولية في الأرض على الرسالة وعلى المنهج الذي شرّعه الله تعالى للإستخلاف في الأرض.

v              خلاصة الحواميم: إياكم والكبر والفرقة والإنخداع بالمظاهر المادية وتدبروا كتاب ربكم دستور حياتكم ،واحرصوا على الشورى حتى تقودوا الأرض بما عليها وتطبقوا منهج الله تعالى،فالدنيا زخرف زائل والآخرة نعيم دائم ،والساعة قريبة الكفار فيها جاثون معذبون نادمون ،والمؤمنون منصورون مكرمون ،ولكم في المم السابقة عبرة وعظة .

v                  وبختام الحواميم ينتهي أسلوب الإمهال والترغيب والرقة والصفح الذي جاءت به السور الستة وبعدها تنتقل السور إلى سورة محمد التي هي سورة مواجهة شديدة بعد أن انتهت فترة الإمهال ثم تأتي بعدها سورة الفتح التي فيها تمت المواجهة بفتح مكة وتحطيم الشرك ورموزه.

الأحاديث الصحيحة الواردة في ذكر  الحَوَاميم :

1-                 عن عبد الله بن مسعود قال:لقد تَعَلَّمْتُ النظائرَ التي كان النبيُّ r يَقرَؤهن اثنين اثنين في كلِّ ركعةٍ . فقام عبدُ اللهِ ودخَل معَه عَلقَمَةُ، وخرَج عَلقَمَةُ فسألناه، فقال : عِشرون سورةً من أولِ المُفَصَّلِ، على تأليفِ ابنِ مسعودٍ، آخِرُهن الحَواميمُ، حم الدخَان، وعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ([4]).

2-                 عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا أتى رسول الله r فقال : يا رسول الله أقرئني قال :  ( اقرأ من ذوات الراء ) - أي التي تبدأ بـ ( ألر) -  قال : يا رسول الله ثقل لساني وغلظ جسمي قال : ( اقرأ من الحواميم ) فقال مثل قوله الأول قال : ( أُقرِئك من المُسبِحات ) فقال مثل قوله الأول قال : عليك بالسورة الجامعة الفاذّة ) إذا زلزلت الأرض زلزالها ( فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا ، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله r :  ( أفلح الرويجل أفلح الرويجل ).(([5]

3-                 عن سمرة بن جندب:" الحواميمُ روضةٌ من رياضِ الجنةِ".([6])

4-                 عن أنس بن مالك :" الحواميم ديباج القرآن"([7]) .ودَبَابيجُ ودَيابيجُ: نوعٌ من الثِّياب ظاهره وباطنه من الحرير، القطعة منه ديباجة.

5-                 عن البراء بن عازب أن رسول الله rقال :" إنكم تلقون عدوكم غدا ، فليكن شعاركم حم لا ينصرون دعوة نبيهم."([8])

6-                 عن عبد الله بن مسعود قال: غَدَوْنا علَى عبدِ اللهِ، فقال رجلٌ : قَرَأْتُ المُفَصَّلَ البارِحَةَ، فقال : هَذًّا كهَذِّ الشِّعْرِ، إنا قد سمِعْنا القِراءَةَ، وإنِّي لأحفظُ القُرَناءَ التي كان يَقْرَأُ بِهنَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ثمانِيَ عشْرَةَ سورَةً من المُفَصَّلِ، وسورتَينِ مِن آلِ حم.([9])

هذا ما صح- فيما أعلم - من أحاديث في ذكر الحواميم وقد وردت أحاديث أخرى نصّ العلماء على تضعيفها فلم أوردها .

 
سورة غافــــــــــــــــر

نزولها: هذه السورة مكية. وقد كانت هذه السّورة مقروءةً عقب وفاة أبي طالبٍ، أي سنة ثلاثٍ قبل الهجرة لما سيأتي أنّ أبا بكرٍ قرأ آية (أتقتلون رجلًا أن يقول ربّي اللّه)غافرحين آذى نفرٌ من قريشٍ رسول اللّه rحول الكعبة، وإنّما اشتدّ أذى قريشٍ لرسول اللّه r بعد وفاة أبي طالبٍ(.([10]

ترتيبها فى المصحف :هي السورة رقم أربعون ؛بعد سورة الزمر وقبل سورة فصلت  .

ترتيبها فى النزول : عدت الستين في عداد ترتيب نزول السور بعد سورة الزمر وقبل سورة فصلت  .

آياتها : (85) خمس وثمانون آية . وهي أول سور الحواميم .

كلماتها : (1099) ألف وتسع وتسعون كلمة.

 
 
 
 
 
 
 
 

حروفها : (4970) أربعة آلاف وتسعمائة وسبعون حرفاً.

تقع في  الجزء " 24 " ، الحزب الأول الربع " 2،3،4" ، وربعان من الحزب الثاني .

فواصل آياتها: فواصل آياتها سبع "م ،د، ر، ب، ن، ل، ق"

جمعها البقاعي في مصاعد النظر بقوله :"من عقل دبَّر".

فضلها:

·      1- عن ابي هريرة :"من قرأَ { حم } المؤمِنَ إلى { إِليهِ الْمَصِيرُ } وآيةَ الكرسيِّ حينَ يصبحُ حفظَ بهما حتَّى يمسيَ ومن قرأَهما حينَ يمسي حُفِظَ بهما حتَّى يصبح"([11])

·      2- عن يزيد بن الأصم أنَّ رجلًا كان ذا لباسٍ وكان يرفو لباسَه وكان من أهلِ الشَّامِ وأنَّ عمرَ فقده فسأل عنه فقيل : تابَع في هذا الشَّرابِ فدعا كاتبَه فقال : اكتُبْ من عمرَ بنِ الخطَّابِ إلى فلانٍ . . . سلامٌ عليك فإنِّي أحمدُ إليك اللهَ الَّذي لا إلهَ إلَّا هو { غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } ثمَّ دعا وأمَّن من عنده فدعَوْا له أن يقبلَ على  اللهُ تعالَى بقلبِه وأن يتوبَ اللهُ عليه ، فلمَّا أتت الصَّحيفةُ الرَّجلَ جعل يقرؤُها ويقولُ : {غَافِرِ الذَّنْبِ } قد وعدني اللهُ أن يغفرَ لي و{وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } قد حذَّرني اللهُ عقابَه { ذِي الطَّوْلِ } والطَّوْلُ الخيرُ الكثيرُ { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } لا يزالُ يُردِّدُها على نفسِه ثمَّ بكَى ثمَّ نزع فأحسنَ النَّزعَ ، فلمَّا بلغ عمرَ خبرُه قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخًا لكم زلَّ زَلَّةً فسدِّدوه وادعوا اللهَ أن يتوبَ عليه ، ولا تكونوا أعوانًا للشَّيطانِ عليه.([12])

3-  عن الضحاك بن عثمان لمَّا بلغَ عمرَ بنَ الخطَّابِ هذا الشِّعرُ كتب إلى النُّعمانِ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أمَّا بعدُ فقد بلغني قولَك : لعلَّ أميرَ المؤمنين يسوؤُه ، تنادُمَنا في الجوسقِ المتهدِّمِ . وايمُ اللهِ ليسوؤني وعزَله . فلمَّا قدِم على عمرَ بكرةُ بهذا الشِّعرِ فقال : يا أميرَ المؤمنين ما شربتُها قطُّ وما ذاك الشِّعرُ إلَّا شيءٌ طفح على لساني ، فقال عمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه : أظنُّ ذاك ، ولكن لا تعملُ لي على عملٍ أبدًا.

التسمية وسببها:

·      سورة "غافر" : وبه اشتهرت في المصاحف 0

وجه التسمية : ذكر وصف الرب عز وجل بذلك في أولها وهو قوله {غافر الذنب } .

·   سورة "حم المؤمن"أو" سورة "المؤمن " وردت هذه التسمية في السنة , فعن أبي هريرة – رضي الله عنه– قال : قال رسول الله r : [ من قرأ حم المؤمن 0000]   بهذا الاسم اشتهرت في مصاحف الشرق وترجم لها البخاري في صحيحه والترمذي في جامعه بذلك .

وجه التسمية : بسط قصة مؤمن آل فرعون فيها .

·      سورة:" الطول" : ذكر ذلك السيوطي والفيروز آبادي .

وجه التسمية : ورود هذه اللفظ في أول السورة ( ذي الطول )  وقال ابن عاشور في تفسيره : قد تُنُـوسِيَ هذا الاسم!.

·      "حم الأولى" : وجه تسميتها : كونها أول الحواميم .

 

المناسبة بين افتتاح السورة وختامها:

§                    افتتح تعالى السورة الكريمة بالتعريف بجلاله وعظمته من خلال ذكر جملة من أسمائه وصفاته فقال جل جلاله                                                                وختمت السورة بالدلالة على وحدانية الله وذكر جانب من آياته الكونية بقوله                          ﭿ                              . . . 

§                    في صدر السورة ذم الكفار المجادلين وتخويفهم من عقاب الله أن يلحقهم كما لحق الأقوام السابقة   ﭿ                                                                                                                                  وفي ختامها العجب من عدم اعتبارهم بالأمم السابقة وبيان ندامتهم وخسارتهم عند رؤية العذاب                                                                                                                                                                          . . . .        

مناسبة السورة لما قبلها:

·    تآخى المطالع في الافتتاح بتنزيل الكتاب فافتتحت سورة الزمر بقوله تعالى وافتتحت سورة غافر بقوله (                      .

·    ذكر تعالى في الزمر  ما يئول إليه حال الكافر وحال المؤمن(                                                                                                                                              وافتتح سورة  غافر بأنه غافر الذنب، ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان والإقلاع عن الكفرليلحق بركب اهل الإيمان                                            

·        ذكر في كل منهما أحوال يوم القيامة، وأحوال الكفار فيه وهم في المحشر وهم في النار.

·        كانت سورة الزمر في ذكر التوحيد والإخلاص ودواعيهما ،وبرز في سورة غافر ذم الكفر والجدال والاستكبار وبيان اسباب ذلك ودواعيه .

بين يدي السورة:

·  افتتحت السورة بالحروف المقطعة الدالة على إعجاز القرآن الكريم وتحديه للمكذبين المجادلين ،لذا أتبعها بإثبات إنزال الكتاب من الله جل جلاله ، ثم التعريف به بذكر حشد من أسمائه وصفاته  ،والتي تجعل العبد يعبده تعالى على جانبي الخوف والرجاء .

·  ابتدأ تعالى بجانب التخويف  فبين أن صفة الجدال في آيات الله مقصورة على الكفار ،وأنها تدل على استحقاقهم العقاب ولو بعد إمهال وتقلب ،حالهم حال من سبقهم من الأمم الكافرة المجادلة .

·  ثم جاء جانب الرجاء بذكر عبادة حملة العرش واستغفارهم للمؤمنين وسؤال الله لهم الجنات والوقاية من السيئات ليتحقق لهم الفوز العظيم .

·   ثم تعود الآيات للحديث عن الكفار المجادلين ومقتهم لأنفسهم في مشاهد من يوم القيامة ومقت الله لهم بسبب كفرهم وجدالهم ،إذ يقرون ويدعون الجدال ويعترفون ويطلبون المخرج ولكن هيهات !!لماذا ؟؟ بسبب إعراضهم عن دعوة الحق والإيمان حتى استحقوا حكم الله فيهم. وهو العلي الكبير الذي ظهرت آثار قدرته في الكون وفي الشرع وكلها إنذار للاستعداد ليوم التلاق الذي يكون الحكم فيه لله الواحد القهار،ويكون فيه الجزاء الحق العدل في جو من الخوف والعجز .

·   ثم تلفت الآيات إلى العجب من عدم الاعتبار بهلاك الأمم السابقة المكذبة لرسلها ،وتضرب لذلك بنموذج قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون وكيف استكبروا وجادلوا في آيات الله حتى مع نصح ذلك المؤمن لهم !! من خلال نقاش عقلي وتخويف من بأ سالله تعالى ،وتذكير بهلاك الأمم السابقة ،وتخويف من يوم التناد .

·  م ذكرت الآيات بدعوة يوسف عليه السلام وضلالهم بعد وفاته وما ذلك إلاجدال و كبر ، ظهر نظيره جليا عند فرعون حين طلب بناء الصرح !.

·   وعادت الآيات بعد ذلك إلى استكمال عرض نصح ذاك المؤمن لقومه من خلال حثه لهم على اتباع سبيل الرشاد وتذكيرهم بحقارة الدنيا وزوالها وقرار الآخرة ودوامها وما فيها من الجزاء ..

ولكن لا يزال القوم مستكبرون مجادلون لذا عتب عليهم واستنكر موقفهم وأعلن بطلان دعوتهم وفوض أمره إلى للله فكان أن وقاه الله عاقبة صنيعهم ،وألحق بآل فرعون أشد العقاب .

·  ثم عرضت الآيات إلى أحد مشاهد المحاجة والجدال في النار بين الضعفاء والمستكبرين وأن النصريوم القيامة للمؤمنين وسوء الدار للظالمين المعاندين .

·  ثم اخذت الآيات في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتنظير حاله بحال موسى عليه السلام ثم أمره بالصبر والاستغفار والتسبيح .

·  لتعود الآيات لتقرر وتؤكد أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر. ويوجه إلى النظر في خلق السموات والأرض حتى يتصاغر هؤلاء الناس المستكبرون  أمام عظمة خلق الله فينتقلون من العمى إلى البصيرة ومن الإساءة إلى الإحسان .استعداد لقدوم الساعة .

·  ثم تعرض الآيات إحدى صور الاستكبار وهي الاستكبار عن الدعاء!وتبن جزاءه .

·   ثم تعرض بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين. يعرض الليل سكناً والنهار مبصراً. والأرض قراراً والسماء بناء. ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم فأحسن صورهم. ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين.

·  ثم تختم السورة بتلقين الرسول صلى الله عليه وسلم البراءة من عبادتهم وإعلان الاستسلام لله رب العالمين .وبتبع ذلك بعض آيات قدرته في الخلق والإحياء والإماتة .

·   وتعود الآيات تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الذين يجادلون في الله ; وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ 71). وإذ يتخلى عنهم ما أشركوا وينكرون هم أنهم كانوا يعبدون شيئاً ! وينتهي بهم الأمر إلى جهنم.

·  ثم يكر التوجيه بالصبر والثقة بأن وعد الله حق.ويذكر بأن الله قد أرسل رسلاً قبله كثيرين (...وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ...78) على أن في الكون آيات قائمة، وبين أيديهم آيات قريبة ولكنهم يغفلون عن تدبرها. هذه الأنعام المسخرة لهم. من سخرها؟ وهذه الفلك التي تحملهم أليست آية يرونها ! ومصارع الغابرين ألا تثير في قلوبهم العظة والتقوى؟

·  وتختم السورة بتصويرمصرع من مصارع المكذبين، وهم يرون بأس الله فيؤمنون (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ 85). هذا الختام الذي يصور نهاية المتكبرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

هدف السورة ووجه استنباطه :

"جدال الكفار واستكبارهم وعظمة الله وقدرته" .

افتتاح السورة افتتاح مهيب([13])؛ عزةٌ وعلمٌ وغفران ذنب وقبول توب وشدة عقاب وإنعام وتفضل من واحد أحد إليه المرجع والمصير، وهذا كله يدعو إلى الإقبال على الله والاستسلام له وترك الجدال والاستكبار .

 ومطلع السورة يبين أن الجدال في آيات الله مقصور على الكفار وآن مآل أصحابه إلى النار،ذلك المآل الذي يوجب لهم المقت في الدنيا ويوم يتلاق المجادلون يوم الآزفةوهم خاضعون مستسلمون ليقضي الله بينهم بحكمه  .

وتضرب السورة مثلا على المجادلين المستكبرين بفرعون وهامان وقارون روؤس الجدال والاستكبار بعرض شيء من جدالهم لنبيهم موسى عليه السلام واستكبارهم عن نصح المؤمن الذي تفنن في وسائل دعوتهم وسبل إقناعهم حتى سميت السورة في بعض أسمائها باسم "سورة المؤمن"!.

وتبين الآيات سبب الجدال وعاقبة المجادلين، واضمحلال استكبارهم يوم القيامة بعرض بعض أحوالهم في النار في مقابل ذكر أهل الإيمان والاستسلام ودلائل إيمانهم بوحدانية الله وصور خضوعهم واستسلامهم له .وتختم السورة ببيان أمد التوبة على المجادلين المستكبرين وغاية نفعها،وخسران الكافرين المجادلين الذين حرموها بسب استكبارهم  .

وقد ذكر الجدال والمجادلون في السورة ست مرات ،وذكر الكبر والاستكبار سبع مرات نصا وفوق ذلك معنىً ،إشارة إلى أنه سبب الحرمان من المغفرة والإقبال على التوبة والتكبر على نعم الله ذي الطول وهي المعاني التي افتتحت وسميت بها السورة .

 




[1]- انظر غرائب التفسير وعجائب الـتأويل للكرماني .
[2] - أسرار ترتيب القرآن باختصار .
3- هذا المبحث مستفاد من د.فاضل السامرائي بتصرف وزيادة  .
 
 
[4]-  صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4996
- [5] رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه 3/532 وابن حبان في صحيحه (773) وصححه الحاكم 2/523 ووافقه الذهبي وصححه ابن حجر العسقلاني في نتائج الأفكار  3/271 و أحمد شاكر في تعليقه على  مسند أحمد 10 /81 وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
[6]- السيوطي في الجامع الصغير3/271. وقال عنه حديث حسن . وضعفه الأباني في السلسة الضعيفة
[7] - أخرجه السيوطي في الجامع الصغير3851 . وقال عنه موقوف حسن .وضعفه الأباني في السلسة الضعيفة .
[8] عبد الحق الإشبيلي - المصدر: الأحكام الصغرى - الصفحة أو الرقم: 536
خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد]
[9] البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5043
[10]-  التحرير والتنوير: 24/76]
·        [11]-  ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 2/376.حكم المحدث: [حسن كما قال في المقدمة]
 
[12]- المحدث:ابن كثير - المصدر: مسند الفاروق - الصفحة أو الرقم: 2/517حكم المحدث: إسناده جيد وفيه انقطاع.
(13) قال ابن عاشور في التحرير والتنوير :" قد اشتملت فاتحة هذه السورة على ما يشير إلى جوامع أغراضها ويناسب الخوض في تكذيب المشركين بالقرآن ويشير إلى أنهم قد اعتزوا بقوتهم ومكانتهم وأن ذلك زائل عنهم كما زال عن أمم أشد منهم ، فاستوفت هذه الفاتحة كمال ما يطلب في فواتح الأغراض مما يسمى براعة المطلع أو براعة الاستهلال" .
 

هناك تعليق واحد: